26 مارس 2024 تعليم
الادخار طريق الاستثمار
يعتبر الادخار هو أول وأهم الوصايا التي يرشدنا إليها آباؤنا، وكأن هناك اتفاق ضمني على ذلك
يعتبر الادخار هو أول وأهم الوصايا التي يرشدنا إليها آباؤنا، وكأن هناك اتفاق ضمني على ذلك، بالإضافة إلى الأمثال الشعبية التي تدعونا لادخار القرش الأبيض لليوم الأسود، وقد لا يختلف إثنان على أهمية الادخار، وكأن الادخار هو الهدف الأساس، لكن قد تتفاجئ في أن الادخار التي يقصدونه هو بداية الرحلة وليس نهايتها. في هذا المقال عزيزي القارئ سنتحدث عن الادخار كما يجب أن يكون.
ماهية الادخار
يقصد بالادخار تخصيص جزء من الدخل لاستخدامه في المستقبل بدلًا من استخدامه في الوقت الحاضر، وغالبًا ما يتم حفظه بصور نقد كاش في المنزل أو في حساب بنكي أو حفظه من خلال شراء الذهب. تنطوي عملية الادخار على قناعة أن تأجيل استخدام النقود من الوقت الحاضر إلى المستقبل سيحقق لي منافع أكبر، سيمنحنا تراكم المدخرات المساحة الكافية لتحقيق أهداف تحتاج لمبالغ أكبر مثل التوسع في العمل أو حتى السفر والدخول في مغامرات جديدة.
ينقسم الادخار إلى ادخار مخطط وإدخار غير المخطط له، في الادخار المخطط له يتم تحديد نسبة محددة من الدخل يتم تجنيبها شهريًا بهدف الادخار، وهذه الطريقة الصحيحة في الادخار، أما الادخار غير المخطط له يقوم فيه الفرد بتجنيب ما تبقى من الدخل نهاية الشهر بعد الاستهلاك، وفي حال لم يتبق شيء لا يتم الادخار ذلك الشهر.
وهنا قد يقول أحدهم كيف ادخر ودخلي لا يكفيني!، هنا يجب أن نقف بصدق مع أنفسنا ونسأل: هل سلوكنا المالي كما يجب أن يكون أم أن هناك بعض الأخطاء؟، فإن كان دخلك لا يكفي لأساسيات الحياة حقيقة، لابد أن تبحث عن مصدر دخل إضافي، ويجب أن ننتبه عزيزي القارئ إلى أننا لابد أن يكون إنفاقنا أقل من دخلنا في كل الأحوال. فالواجب أن نتكيف مع دخلنا، فلا يُقبل أن يكون دخلي سبعة آلاف ريال وإنفاقي تسعة آلاف ريال!، وهذا ما تناقلته الأجيال فورد في الأمثال الشعبية ما يؤيد ذلك " مد رجلك على قد لحافك".
لماذا ادخر؟
قد تغرينا الوفرة في المال وتدفعنا إلى التساهل في مسألة الادخار، باعتبار أننا لا نحتاج له. قد يكون هذا الحال في الوقت الراهن لكننا لا نضمن القادم من الأيام، يمنحنا الادخار الأمان من تقلبات المستقبل سواء المالية أو الأسرية.
غالبا ما ندخر لتغطية الجوانب التالية:
- الادخار للطوارئ: لا أحد يأمن تقلبات الحياة اليومية، قد يكون دخلك جيد في تغطية التزاماتك اليومية المعتادة، لكن كيف ستتصرف إن ظهر لك إلتزام مالي غير مخطط له؟، كيف ستتصرف لو تعرض منزلك لحريق لا قدر الله؟، أو تحملت مصاريف علاج باهضة؟، فقدت وظيفتك بشكل مفاجئ؟، هذا الجزء من الادخار مخصص لتغطية الظروف الحياتية المفاجئة، يجب أن يغطي صندوق الادخار للطوارئ النفقات الضرورية من ثلاث إلى ستة أشهر. ولا يصح أبدًا أن نستخدمه في غير الحالات التي يتم تحديدها. وهنا يجب أن نؤكد أننا لا نسيء الظن بالله، على العكس فنحن بذلك نتوكل على الله حق التوكل من خلال الأخذ بالأسباب.
- الادخار لتغطية أهداف قصيرة المدى: في هذا الجانب من الادخار نحن نبدأ بالادخار وأمامنا هدف نريد الوصول إليه، مثل شراء سيارة، دفع قسط جامعي، السفر في الإجازة أو حتى للوفاء بديون والتزامات مستحقة. وغير ذلك من الأهداف التي تبدأ وتنتهي خلال وقت قصير نسبيًا.
- الادخار طويل المدى: يتم تجنيب المال إلى فترات طويلة ممتدة إلى أكثر من خمس سنوات، الهدف منها تحسين جودة الحياة لفترة ما بعد التقاعد، أو تغطية إلتزامات يتوقع أن تطرأ بعد هذه المدة، مثل السفر لاكمال الدراسات العليا، أو بدء مشروع خاص.
الادخار وتناقص القيمة
قد يُتوقع أن الادخار هو حفظ للمال من الإستهلاك، إلا أننا بذلك نغفل بعض الجوانب، صحيح أن المبلغ المدخر لا يتغير من حيث عدد الأوراق النقدية، إلا أن قيمته النقود تتعرض للانخفاض بشكل مستمر، فما كنت تشتريه بعشرين ريال قبل بضع سنوات الآن تشتريه بثلاثين ريال!.
من ناحية أخرى يجب علينا أداء فريضة الزكاة عن الأموال المدخرة في كل عام، وهذا سبب آخر لتناقص المبلغ المدخر، بالتالي نحن لا نضمن الحفاظ على قيمة الأموال المدخرة، بل نحن على يقين أنها تتناقص مع مرور الوقت.
الادخار طريقك للاستثمار
قد تتفاجئ عزيزي القارئ أن الادخار ليس هدفًا في ذاته، بل هو طريق لابد العبور منه لنصل إلى الاستثمار، فنحن ندخر أولًا ثم نستثمر، ويقصد بالاستثمار استخدام النقود في شراء أصول يتوقع أن تولد دخل أو ربح في المستقبل، بالتالي فإن الاستثمار سيعوضنا عن التناقص في قيمة النقود سواء كان ذلك نتيجة تناقص قيمة النقود (التضخم)، أو أداء فريضة الزكاة ونرى ذلك في توجيه عمر بن الخطاب رضي عنه بقوله: "اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ".
متى أبدأ في الاستثمار
قبل البدء بالاستثمار لابد أن تجيب عما يلي:
- هل تعاني من ديون؟
إذا كنت تعاني من الديون قد تتسائل هل ابدأ اسدد الديون أم ابدأ بالاستثمار؟، كي نتمكن من الإجابة لابد أن نحدد هل هذه الديون قرض حسن دون فوائد، أم أنها ديون بفوائد.
يمكنك الإتفاق مع المقرض على تقسيط الديون شهريًا، ومن ناحية أخرى يمكنك البدء بتخصيص مبلغ مالي للادخار وإن كان صغيرًا.
في حال قمت بالاقتراض من أكثر من جهة، ابدأ بترتيب الديون من الأعلى تكلفة خاصة ديون بطاقات الائتمان إلى الديون الأقل تكلفة، سيمنحك ذلك المزيد من الحماس للاستمرار في عملية السداد.
- هل لديك صندوق ادخار للطوارئ؟
كما أشرنا سابقًا فإن صندوق الادخار للطوارئ يمثل الأمان من الظروف الاستثنائية في حياتنا اليومية، من ناحية أخرى فإنه يضمن لنا عدم اللجوء للأخذ من أموال الاستثمار ، وجود نقود يسهل الوصول إليها في الظروف الاستثنائية لن يضطرني إلى بيع الأصول الاستثمارية لتغطيتها، بالتالي صندوق الادخار للطوارئ يحمي من الظروف المفاجئة وكذلك يحمي الاستثمار ويحافظ على عوائده.
فإذا كنت حرًا من الديون ولديك صندوق ادخار للطوارئ، فأنت الآن جاهز لبدء رحلة الاستثمار، وتذكر أن الاستثمار ليس حكرًا على المترفين، بل هو ضرورة للجميع.